أعمال السحر

   في زمن الرومان الغابر رُوي أن عبدًا حرّره سيّده لما رأى فيه من الصفات الحميدة، وكان اسمه "فُوريُوسُ" ويمتلك قطعة أرض صغيرة هيّأها في صيف أحد السنين جيّدًا وحرثها في الخريف حراثةً عميقةً متقنة وزرعها، فنما زرعها نموًّا عجيبًا وكانت غلّتها في موسم الحصاد ممتازة تجاوزت كثيرًا غلّة حقول الجيران الواسعة، فكان ذلك باعثًا على إضرام نار الحسد الشديد في قلوبهم وصاروا ينظرون إلى جارهم النشيط المتحرّر من الرّق نظرة البغض، ونووا له الشرّ، فشكوه إلى القضاء مدّعين أنّه يلجأ إلى أعمال السحر واعتماد السحرة للإتيان بحصيد الغير وإضافته إلى حصيده، ولولا هذا لما نال مثل تلك الغلال من حقله الصغير؛ فوجّه إليه القاضي الكبير" ألبينُوسُ" دعوة للمثول أمامه والدفاع عن نفسه ضدّ هذه التهمة، فخاف خوفًا كبيرًا من حكم قد يكون جائرًا؟

    واتّفق أن اليوم الذي استدعي فيه كانت القبائل تتهيّأ للمجيء إلى ساحة روما العامّة للاقتراع، فأتى "فوريوس" بجميع آلات الحراثة التي عنده ورافقه أناس يعملون معه في الحقل، وكانوا أشدّاء، أقوياء البنية، حسني اللباس، والصحّة الدّالة على تغذية جيّدة تطفح على وجوههم الورديّة، وعدا هذا فقد أرى الحضور أدوات زراعيّة متقنة الصنعة ومعاول ثقيلة وسككًا وازنة ومحاريث صلبة وثيرانًا شبعانة سمينة، ثمّ التفت إليهم وخاطبهم قائلًا:

- أيّها الرومان هذه هي أعمال السحر التي قمت بها. أمّا أشغالي وسهر الليالي والعرق المتصبّب من الجبين كاللآلىء فلا سبيل إلى إبرازها ونقلها إلى هذه الباحة الفسيحة الغاصّة بجموعكم.

   فما أن رأوا وسمعوا كلّ هذا حتّى علا صوت التبرئة بالإجماع وعاد "فوريوس" الحارث الأمين إلى حقله الصغير وهو مغتبط بفوزه بينما حسّاده يطأطئون الرؤوس خجلًا ويجرّون أذيال الخيبة.            

                                              يوسف س. نويهض

                                                    مقتبسة